الفصل 4 : أنيـــاب الرمـــال
و مع بزوع أنوار الفجر الأولى أخذ الركب يستعد للمسير مرة أخرى منطلقا الى أقاصي الصحراء ، عاقدين العزم على الاسراع من أجل انقاذ المصاب و الذي هو في أمس الحاجة الى تلقي العلاج في أسرع وقت ، و أخذت السيارة تمضي في الرمضاء تطوي الأرض طيا حتى غاصت العجلتان الخلفيتان في أحد الكثبان الرملية الضخمة و أخذتا تدوران بسرعة كبيرة دون أن تتحرك السيارة مصدرتان أصواتا مزعجة و محدثتان غبارا هائلا و سط الرمال ، فأوقف البروفيسور المحرك ثم نزل من السيارة برفقة سمير و حاولا اخراج العجلتين من قلب الرمال بكل ما اوتيا من قوة ، و ما ان تمكنا من ذلك حتى برزت عليهما الحية ذات الزبيبتين و كأنها نبتت من وسط الرمال ، حية ضخمة لها قرنان صغيران و الزبيب يسيل من شدقيها ، و كانت تتجه نحوهما مباشرة ، فقام البروفيسور باشعال النار بأحد الأوراق المتواجدة بجيبه ثم لوح بها في وجه الحية التي تراجعت قليلا قبل أن تعاود محاولاتها الدؤوبة للهجوم مرة أخرى ، في حين استغل الاثنان تراجعها المؤقت ليدلفا الى داخل السيارة ثم يغلقا الباب وراءهما في احكام و ينطلقا مرة أخرى وسط الصحراء. يوم آخر قضاه الرفاق وسط المفازة النائية حتى خيم الليل وسط أرجاء المكان ، فقرروا امضاء ليلتهم الثانية باحد الأماكن المنبسطة وسط ارهاق شديد ، حيث اقاموا خيمتهم ، و اتخذ كل واحد منهم موضعه داخل سريره باحد الأركان ، و قال البروفيسور: --يبدو أننا قد تهنا وسط الصحراء يا رفاق ، فحسب اتجاه البوصلة و موقع الخريطة يجب أن نكون قد بلغنا أول واحة متواجدة في منطقة الواحات المذكورة في الخريطة ، و ها نحن أولاء تائهون في الفيافي لا نلوي على شيء. فرد سمير:ان حالة / ياسر / تزداد سوءا و عليه تلقي العلاجات الضرورية في أسرع وقت ممكن و الا فقدناه الى الأبد ، فلا يمكننا ابقاء ساقه مربوطة الى وقت أطول ، كما أن القليل من السم قد تسرب الى جسمه بالفعل و الأدوية التي منحناه اياها لن يدوم مفعولها الا بشكل مؤقت و محدود. فقال / ياسر/ بصوت عليل: فعلا لقد بدأت أشعر و كأن جسمي ينهار شيئا فشيئا و حالة من الدوار تكتنف دماغي و تؤثر على مداركي. حينئذ قام /سمير/ متوجها نحو باب الخيمة ، فبادره البروفيسور قائلا: -- الى اين أنت ذاهب يا /سمير/ ، لقد خيم الظلام و المنطقة مجهولة و خطرة. فرد /سمير/: لن أبتعد كثيرا ، سأذهب الى الخلاء و أعود على الفور ، ثم خرج من الخيمة حاملا مصباحه اليدوي ، و لم يكد يبتعد عنها بأكثر من عشرة أمتار حتى أحس بالرمال تتحرك و بقدميه تغوصان فيها شيئا فشيئا ، فحاول انتشالهما بقوة و العودة من حيث جاء لكن قدميه أخذتا في الغوص أكثر فاكثر حتى بلغت الرمال بطنه ، فحاول جاهدا الخروج من هذا المأزق الخطير مستعملا يديه و رجليه معا لكن بدون جدوى ، فجسده ما زال يغوص في أعماق الرمال حتى الصدر ، حينئذ فقط لم يجد بدا من الصراخ مستنجدا برفاقه:-- النجدة يا نادر ، انقذني بسرعة أرجوك ، الغوث الغوث. و ما ان سمع البروفيسور نداء / سمير/ حتى خرج مسرعا من الخيمة حاملا في يده مصباحه القوي متتبعا مصدر الصوت ، حيث شاهد صاحبه غائصا في أعماق الرمال حتى الصدر فصاح به في قوة: اهدأ يا / سمير/ و لا تتحرك أبدا ، فان حركتك تسرع من وثيرة ابتلاعك من قبل الرمال ، أوقف حركتك تماما و سأذهب لاحضار المساعدة فورا. ثم غاب مسرعا وسط الظلام و ما لبث أن عاد حاملا حبلا قويا أخرجه من الصندوق الخلفي للسيارة و ألقاه الى / ياسر / تاركا مسافة قليلة بينهما خشية ابتلاعه هو أيضا من قبل الرمال المتحركة ، فأمسك / سمير/ بالحبل بكلتا يديه و قام البروفيسور بمحاولة اخراجه لكن بدون جدوى فقد أخذت الرمال تبتلعه مرة أخرى و بدأ يظهر جليا بأنها أقوى منه في معركة شد الحبل ، غير أن البروفيسور سرعان ما أحس بثقل الحبل يخف قليلا مع صوت / ياسر/ من خلفه : -- لم يكن لأترككم تواجهون مصيركم لوحدكم يا رفاق حتى لو أدى ذلك الى مهلكي. و أخذ يجذب الحبل بكل ما تبقى في جسده العليل من قوة مما جعل جسم /سمير/ يبرز شيئا فشيئا وسط الرمال حتى ظهر بأكمله ، فاستلقى الرفاق الثلاثة على ظهورهم يلهثون من فرط الجهد المضني و سط الرمال الممتدة الى ما لا نهاية في عمق الصحراء و وسط الظلام الدامس الذي لا يكسره سوى مصباح البروفيسور

الفصل الأخيـــر : غَيابـــة الصحـــراء